أبعاد التصعيد العسكري في جنوب لبنان وغزة وخيارات المرحلة المقبلة
ضياء السراي
من خلال واقع مجريات الحرب الدائرة على جبهات جنوب لبنان وغزة والتدمير الممنهج الذي يشنه الكيان الغاصب ضد التجمعات البشرية والبنى التحتية، يمكننا القول أن الغاية الواضحة حتى الان هي صناعة مناطق عازلة عريضة على حدود الكيان الفاشي مع جنوب لبنان وغزة وقضم الارض من كلا الدولتين لاضافتها إلى حدوده.
ليس ذلك فقط، بل يسعى الكيان إلى استنزاف قدرات كل من حزب الله وحماس عسكريا وبشريا. اضافة إلى نيته تجفيف الخزين العسكري مهما كان نوعه والقضاء على اكبر قدر من المقاتلين في صفوف المقاومة.
وهو يتبع نهجا انتحاريا في المواجهة العسكرية على حدود الأراضي المحتلة، مع تصعيد لغة التهديد والمناورة مع ايران من جانب، وتوجيه ضربات بين الحين والآخر لكل من سوريا واليمن من جانب آخر، ولربما يدخل العراق على الخط قريبا.
يدعم هذا التوجه الوحشي الذي بات خارج التصورات، كل من اوربا واميركا فيما تصمت الدول العربية ويتفرج العالم على مجازر الإبادة الجماعية التي تحصل في غزة وجنوب لبنان. وكلما أعلنت أميركا وبعض الدول الاوربية عن قرب وقف إطلاق النار او دعت إلى التهدئة، كلما ارتفعت وتيرة الاستهداف الص@يوني لتلك المناطق!.
على جانب آخر من المشهد نجد ان العمليات النوعية للمقاومة في غزة، تجابه بالتصعيد الصهيوني عبر حرق المخيمات والتوغل شمالا نحو عمق المدينة وارتكاب مجازر ضد الأبرياء العزل. وخطة الجنرالات كما يسمونها يتم تنفيذها في غزة عبر تقيميها إلى قسمين مع فرض حصار خانق ضد المدنيين.
اما الجبهة اللبنانية، فهي الاخرى تقع تحت القصف الجوي المستمر والاستهداف بعد نزوح اكثر من مليون ونصف من سكان الجنوب. والحديث منذ يومين في اروقة المجلس السياسي لحكومة الاحتلال عن القضاء على حزب الله وليس إلحاق الهزيمة به فقط!
لقد ابتعدنا عن التوقعات التي رسمت في بداية المعارك والحديث عن توغل بري سريع في جنوب لبنان، وعمليات خاطفة في غزة. وانتقلت المواجهة سواء على مستواها الواسع الذي يشمل الهلال الشيعي، او على مستوى لبنان وفلسطين وسوريا، إلى مراحل اربع.
المرحلة الاولى تمثلت باغتيال قيادات الصف الاول من حزب الله وحماس، وبدء الحديث عن اعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وفق أحلام الكيان الغاصب. تلتها المرحلة الثانية التي عصفت فيها نيران الصواريخ الإيرانية اجواء وأراضي الكيان الغاصب وحطمت خلالها حلم اعادة تاسيس الشرق الأوسط. وكانت المرحلة الثالثة صاعقة للكيان بعد عودة حزب الله إلى كامل طاقته وبدء تصاعد وتيرة عملياته بخلاف ما توقعه المجلس السياسي والعسكري في تل ابيب. ناهيك عن تنوع الصواريخ التي بدات تصل إلى أهداف دقيقة، وفضح حقيقة أن القبة الحديدية او مقلاع داود كانظمة دفاع لم تعد قادرة على حماية المحتلين. المرحلة الرابعة كانت في استهداف منزل نتن ياهو وقبلها مقر فرقة اللواء غولاني، واغتيال بعض القادة في الجيش في غزة ودخول المسيرات كلاعب لا يمكن ايقافه.
هذه التحولات اعادت الموازنة نوعيا إلى مربع السابع من اكتوبر ٢٠٢٣، وهو ما سعى النتن-ياهو لمحوه بأذهان مجتمع المحتلين. لذا بدأ يدفع نحو توسيع نطاق الاستهداف وزيادة العمليات والإسراع بإنجاز المخططات في كل من غزة وجنوب لبنان. فهو حاليا في سباق مع الزمن تضغطه من جانب المطالب الدولية بعدم جر المنطقة لحرب شاملة، ومن جانب آخر الكلف الباهضة التي تتكبدها حكومته يوميا للحرب والتي تقدر بقرابة ١٦٠ مليون دولار إجمالا. ولا ننسى أن العامل الضاغط الاخر هو نفاذ الذخيرة سواء لقاصفاته او لقببه الحديدية او لفرقه السبع التي تقود الحرب.
مع ذلك فإن التوقعات تذهب إلى عناصر اخرى قد يلجأ لاستخدامها نتن-ياهو ليس اخرها الأسلحة المحظورة دوليا او البايلوجية لاسيما وانه يستخدم حاليا الذخيرة المحرمة دوليا وفيها اليورانيوم المنضب والدليل على ذلك قوتها التدميرية. وربما يلجأ إلى جر أميركا للدخول في الحرب عبر استهدافه ايران مع علمه علم اليقين بانها سترد بقوة في هذه المرة. وهي خطة تشابه إلى حد ما جر أميركا في الحرب العالمية الثانية لقصف اليابان بالأسلحة النووية.
انهم في تل ابيب يعلمون ان العودة إلى ما قبل شهرين من الان لن تكون بصالح مخططاتهم وعلى رأسها إنهاء حزب الله والقضاء على محور الممانعة في الهلال الشيعي.
وان فعلوا فان المرحلة التالية ستكون عبر إشعال حرب طائفية في لبنان تمولها دول الخليج ضد حزب الله ونظام الأسد وحكومة السلطة الفلسطينية ضد حماس، وحكومة اليمن الخليجية ضد الحوثيين ولا يمكن ترك العراق لانه مصدرا للدعم إذا ما بقيت فيه الجماعات المسلحة الشيعية ومنها الحشد الشعبي. إذا المخطط البديل هو الاستمرار في استخدام التفوق العسكري الجوي والقوة التدميرية ضد هذه الدول وشعوبها لكي ينقم الناس على فصائل المقاومة؛ ويكونون امام خيارين الإبادة او طرد هذه الجماعات. وبلا ادنى شك إذا ما حصلت هذه الفوضى المخطط لها فان الأمر سيترك في تلك الدول إلى الخصوم المدعومين خليجيا لإكمال المخطط وإسقاط هذه القوى او تبادر الماكنة الغربية برئاسة اميركا وتمويل الخليج بالقضاء على محور الممانعة والمقاومة علنيا كما فعلت ما بين ٢٠٠٣-٢٠١٢.