اجرى الحوار – عمار المالكي
التظاهرات السلمية جوبهت بقوة مفرطة وهذا القمع موضع ادانة. شكلنا لجاناً خاصة لمراجعة كل ملفات الفساد. نحتاج الى اصلاحات هيكلية والى اصلاح سياسي شامل يبدأ بتطبيق اتفاق أربيل. الاحتجاجات الشعبية الأخيرة انحصرت في الاصلاحات المطلوبة داخل النظام ولم تتجاوزها الى تغيير النظام. قانون الانتخاب يحتاج الى إعادة نظر… هذه المواقف عبّر عنها بوضوح كامل رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي في حديث خص به «الأسبوعية» يسلط الضوء على دور البرلمان في إطفاء الحرائق الداخلية.
■ كـــــــيف تقــــيمـــون التظاهـــرات التـي عمت محافظــات البـلاد خلال الاسابــيع الماضــية مـا هي اسبابها الحقيقية؟
– التظاهرات مشروعة ومــــكفـــولة بــموجــــب الدســــتور وبــالتــــأكيد فــان المــواطــن عـــندما يشعر بضياع الحقوق والتهميش والاحباط من الاداء السياسي والاقتصادي والامني يخرج الى الشارع ويطالب بتغيير الواقع، ومن واجب الدولة ان توفر له الحماية والمكان المناسب للتظاهر، وان تستمع الى شكواه وتقوم بمعالجة المشاكل المطروحة.
■ وهل انتم راضون عن تعامل السلطة مع هذه التظاهرات؟
– المعلومات التي كانت متوافرة لدى السلطة التنفيذية مشوشة وغير حقيقية. كان لديها انطباعات بحدوث اعمال عنف وهجوم على الدوائر الحكومية والمؤسسات الخدمية الاخرى وعلى القوات الامنية ايضا، وكأن الأمر مؤامرة كبيرة ترعى من جهات ارهابية سمتها الحكومة. اذا استنفرت القوى السياسية ودعتها الى عدم المشاركة في التظاهرات والاحتجاجات. لكن ثبت أن الامر عكس ذلك، فالناس التي خرجت كانت تطالب بحقوقها الضائعة فقط كالخدمات واطلاق سراح المعتقلين، وتطالب بدولة مدنية قادرة على توفير الكرامة للمواطن. لكن بعض التظاهرات لم تخل من مشاغبين وفي حيز محدود جدا، وقد حاولوا ان يستغلوا الاحتجاج لتدمير بعض الدوائر الحكومية كما حصل في بعض المحافظات.
و الامر المؤسف ان التظاهرات السلمية جوبهت بقوة مفرطة وعمليات هجوم عسكري كبير واعتداء بالضرب وقمع الصحافة بشكل واضح، ومنع بث بعض القنوات الفضائية التي هوجمت من قبل القوات الامنية، فقد كان هناك تعامل غير حضاري مع التظاهرات وغير دستوري وهو موضع ادانة داخلية وخارجية ومن جانب منظمات دولية.
■ وكيف ستتعاملون مع الانتهاكات التي حصلت في حق المتظاهرين؟
– مجلس النواب بدأ يحقق في الخروقات التي حصلت ضد المتظاهرين، وهناك لجان شكلت لهذا الغرض ستدرس كل حالة حدث فيها قتل او اصابة او اعتداء على الاعلاميين، وسنحاسب كل من قام بهذه الاعمال لأنها خرق للدستور.
■ مطالب المتظاهرين تركزت على الخدمات ومكافحة الفساد والاصلاح السياسي ما هو دوركم في تحقيق هذه المطالب؟
– مجلس النواب هو المسؤول عن فتح كل ملفات الفساد الذي كان منتشرا ومتفاقما في السنوات الماضية نتيجة عدم وجود دولة حقيقية بمؤسساتها وقوانينها وتشريعاتها، وبسبب المحاصصة الطائفية والصراع السياسي والتدخلات الخارجية. كل ذلك كان وراء وجود منظومة فساد كبيرة في كل الدوائر وفي كل الطبقات الحكومية العليا والمتوسطة والدنيا. سنحقق في نفقات الدولة خلال السنوات الماضية واين ذهبت، وهل صرفت على المشاريع الحقيقية؟ هل هناك تلاعب وسرقات؟ وواردات النفط الى أين ذهبت؟ هذا وعد من مجلس النواب الى الشعب العراقي بان كل ملفات الفساد خلال السنوات الماضية ستفتح قريبا وتكشف أمام الرأي العام في القريب العاجل.
وقد شكلنا لجاناً تحقيقية لهذا الغرض اولها لجنة باشرت العمل مع وزارة التجارة لمراجعة كل العقود الأخيرة لاستكشاف اسباب النقص في البطاقة التموينية.
■ وماذا عن الاصلاح السياسي؟ بعض المراقبين يرون ان التشكيلة الحكومية المترهلة هي نتيجة المحاصصة وغياب المعارضة البرلمانية؟
– الاصلاح السياسي ليس سهلا، وقد يكون من اصعب المطالب التي نادى بها المتظاهرون. بالفعل الدولة العراقية تم بناؤها على اساس المحاصصة وهذا البناء هو الذي يحمي الفاسدين، ويقدم في كثير من الاحيان شخصيات غير كفوءة لادارة المواقع المهمة، وهناك الآن مراكز قوى موجودة في الدولة كانت في الماضي اكثر قوة وتأثراً لكنها بدأت تضعف بعض الشيء. نحتاج الى تشريعات كثيرة خصوصا لجهة القوانين الهيكلية المنصوص عليها في الدستور، والتي هي أساس بناء الدولة. نحتاج ايضاً الى فصل السلطات الثلاث بشكل اكثر وضوحاً وبجدية اكبر، وان تتكامل في عملها مع حفظ الاستقلالية لكل منها، وهذه معادلة صعبة ويفترض تنفيذها بشكل صحيح، كما يتطلب الاصلاح السياسي تنفيذ الاتفاقات التي شكلت بموجبها الحكومة وهي لم تنفذ حتى الان وأبرزها اتفاق اربيل وفيه الكثير من بنود الاصلاح.
■ لم تتحدث عن تعديل الدستور الذي هو اساس الاصلاح؟
– تعديل الدستور ممكن نظريا عن طريق المادة 142، ولكن من الناحية العملية الامر صعب جدا لان هذه المادة نفسها تضمنت مانعاً قوياً لانجاز المهمة، وهي وجوب قبول ثلثي ناخبي ثلاث محافظات أي تعديل دستوري، وهذا امر غريب وقد وضع بشكل متعمد لفرملة أي تعديل محتمل للدستور. لكننا سنحاول تفعيل لجنة التعديل البرلمانية وسوف نطرح التعديلات المنجزة للنقاش ونصوت عليها داخل مجلس النواب، وسنوصل الامور الى حد الاستفتاء الشعبي. واعتقد انه بعد دورتين انتخابيتن نستطيع تجاوز التعديل بموجب المادة 142 والعمل بموجب المادة 64 رغم انها اقل مرونة، لكننا نحتاج الى تبديل مواد دستورية هي في الحقيقة عقبات امام اصلاح الدولة.
■ رغم انتقادكم المحاصصة الا انكم جزء من الحكومة التي بدت متضخمة من خلال اشراك الجميع فيها، وقد خرج الشعب الى الشارع ضد الحكومة لأنه لم يجد صوتا معارضا في مجلس النواب؟
– صحيح، هذا الامر ليس طبيعيا بالتأكيد، لكن الوضع العراقي والتقسيم المذهبي والعرقي والسياسي وضعف الدولة، في ظل وجود رغبة المشاركة من قبل الجميع كي تضمن حقوق ناخبيهم ومناطقهم، كل هذه الاعتبارات تفسر ما جرى. ومن المعروف ان العراق ليس فيه ثقافة ديموقراطية متقدمة، ولا قضاء يستطيع ان يتخذ مواقف حاسمة وحادة ومع ذلك هو يحظى بثقتنا، لكن التأثيرات عليه كثيرة من قبل بعض السياسيين وبطريقة مزعجة.
لكن هذا الموضوع يحتاج الى تغيير في شكل التعامل السياسي، فهذه المنظومة يجب اصلاحها واشراك الجميع لضمان الحقوق يجب ألا يستمر في المستقبل إذا ما تغيرت منظومة الحكم والتعامل السياسي. فالجهة التي تخرج الى المعارضة السياسية الآن تهمل حقوقها وحقوق المحافظات التي تمثلها والسلطة التنفيذية تستطيع ان تعزز مواقع أطراف وتحرم اطرافاً اخرى وقد وجد الجميع ضرورة المشاركة في الجهاز التنفيذي على الاقل خلال الفترة الحالية. مع ذلك، فإن الوضع القائم في الحكومة ومجلس النواب لا يمنع محاسبة المفسدين والوقوف في وجه الاخطاء. فالمجلس الان يتحرك بحرية لفتح ملفات فساد الحكومة ومحاسبة أي وزير من أي كتلة، أمر ممكن.
■ بالعودة الى مطلب الخدمات فإن رئيس الوزراء منح فترة 100 يوم للوزراء لتقديم انجازاتهم وبعدها هو يعتزم محاسبة او استبدال الوزير المقصر، هل ترون ان هذه الفترة كافية لمحاسبة مسؤول او لتنفيذ المطالب؟
– ان 100 يوم كفيلة بأن تحدد مؤشرات نجاح او فشل، تقدم او تراجع عمل أي مسؤول. لا نتوقع انجازات ورئيس الوزراء يستطع ان يقيم اداء وزرائه إذا هو تابع اعمالهم بصورة تفصيلية، لكن مجلس النواب غير معني بهذه المهلة الحكومية. لدينا جدول زمني آخر لرئيس الوزراء وللوزراء قد يكون سنة او ستة اشهر وسنتفق على ذلك قريبا، وبعدها نحكم اذا كانت الحكومة تتقدم ام لا، لنعرف اين تسير وان كان هناك خطأ في التخطيط الاستراتيجي، وسنحاسب كل من انحرف عن الطريق، ولم يستطع ان يقدم شيئاً للمواطنين بعد سنة لا نصبر على أي وزير اذا كان فاشلا وسنقيله فورا.
■ هل تتوقع استمرار الضغط الشعبي الذي سيؤدي الى نتائج ايجابية أم ان الامور تتجه الى فوضى او ربما اسقاط الحكومة بتأثير من عدوى التغيير التي تجتاح دول المنطقة؟
– المطالب تتركز على الاصلاح داخل النظام وهي ليست لاستبدال النظام، وهذا أمر معقول. والحديث عن استبدال الحكومة ايضا امر مبكر، فليس من المنطق ان تسقط حكومة لم يمض على تشكيلها الا أشهر قليلة، لكن اذا تعثر اصلاح النظام وفشلت المنظومة السياسية في تحقيق مصالح الناس، فإن المطالب ستتحول من الاصلاح الى التغيير.
■ 16 نائبا فقط في مجلس النواب الحالي وصلوا الى «العتبة الانتخابية» فعلاً، والباقون استفادوا من اصوات هؤلاء، وبالتالي وصلت شخصيات غير معروفة أو غير مرغوب فيها الى المجلس. هل ان الخلل في قانون الانتخابات وهل يدخل تعديل هذا القانون في أجندة الاصلاحات التي تعدون لها؟
– صحيح ان قانون الانتخابات لابد ان يعدل ويكون بطريقة الدوائر المتعددة داخل المحافظة الواحدة وبالاختيار الفردي كي يخرج ممثلين حقيقيين للشعب بامتياز ومن داخل المناطق. اما الآن فإن الذين وصلوا الى العتبة الانتخابية عدد محدود من النواب، وقد وزعوا اصواتهم على النواب الآخرين، وهذه مشكلة كبيرة. المشكلة الاخرى هي طريقة استبدال الاعضاء الضبابية وغير الواضحة. بعض النواب لديهم 100 صوت وأعرف آخرين حصلوا على آلاف الاصوات ولم يتمكنوا من دخول المجلس، واعادة النظر بالقانون الانتخابي اولوية في مرحلة مقبلة.
■ لديك نية لاقرار حزمة من التشريعات اقترحت بعضها مثل قانون العفو العام الذي يواجه انتقادات، هل سيطرح للتصويت أم تتوقعون فشلاً في تمريره؟
– هناك اقتراح قانون العفو عن المعتقلين، لكنه لم يقدم الى اللجان المختصة، وهو لا يتحدث عن المصالحة كما أشيع، لكن عن المعتقلين، وهو يفصل كثيرا في الجهات التي سشتمل به. هناك عشرات الآلاف من المعتقلين بتهم كثيرة، لكنه سيستثني على سبيل المثال المتهمين بالتزوير والفساد وغيرها من حالات معينة في القانون. اما على مستوى الامور السياسية فنقترح ان يحصل فيها عفو لنشجع عودة المعارضين السياسيين وعودة الحياة الطبيعية الى البلاد. أي انسان يحمل فكراً سياسياً يجب ان يسمح له بالمشاركة في العملية السياسية ما دام لا يخالف الدستور ولا يتبنى فكرا ارهابيا.
■ هل هناك منع لجهات معينة في المشاركة السياسية؟
– نعم، لكن من خارج نطاق الدستور، أي ان هناك منعاً تعسفياً بطرق مختفلة وفرض نوع من الاجندات الحزبية على الوضع العام في البلاد. على سبيل المثال، قانون المساءلة والعدالة حدد فئات معينة من حزب البعث المنحل لها الحق بالعودة الى الوظيفة وآخرين الى التقاعد… وهكذا، لكن ما هو موجود على الارض يختلف عما هو موجود في القانون. نعرف اشخاصاً بدرجة «عضو شعبة» في الحزب السابق واليوم يتوزعون بين قائد فرقة او فيلق، او حتى وزير. آخرون بدرجة حزبية ادنى تم استبعادهم. هذه مسائل غريبة، ويجب ان تكون هناك مقاييس واضحة لتنفيذ القوانين على الجميع، كي تتكون قناعة شعبية بأن القانون يطبق بحياد.
■ وما هي القوانين الاخرى التي تدخل في أولوياتكم؟
– القوانين الدستورية وهي 49 قانونا مذكورة في الدستور ولم تقر حتى الآن، وهي اساسية لبناء الدولة. يجب ان ننجزها بسرعة، كقانون المحكمة الاتحادية، وقانون تشكيل مجلس الاتحاد وهو مجلس مهم في أهمية مجلس النواب ويمثل المحافظات.
■ أخيرا ما هو مستقبل «مجلس السياسات الاستراتيجية» الذي دخلتم الحكومة على أساس تشكيله؟
– مجلس السياسات لم يشكل بسبب عدم التزام الاطراف الاخرى باتفاق اربيل، والذي نص في أحد بنوده على تشكيل هذا المجلس. هناك مشكلتان، الاولى تتعلق بالاعتراض على صلاحياته، والثانية حول التصويت عليه داخل مجلس النواب. نحن في «القائمة العراقية» نرى في ذلك عرقلة متعمدة لتنفيذ الاتفاق السياسي، وهذا أمر خطير. سنستمر في المفاوضات لتقريب وجهات النظر مع الشركاء، لكن اذا كان الآخرون لا يريدون التوصل الى حل في هذه المشكلة فستكون مشاركة «العراقية» في الحكومة موضع إعادة نظر.